الأسئلة العلمية
حالة السؤال
أرجو توضيح قول ابن القيم رحمه الله أن مبنى الربوبية على {إياك نستعين}

0

0

0

ضيف


08:48 05-10-1444 | 25-04-2023

أرجو توضيح قول ابن القيم رحمه الله أن مبنى الربوبية على {إياك نستعين}


عبد العزيز بن داخل المطيري
المشرف العام
08:49 05-10-1444 | 25-04-2023

هذا القول مستنده تقسيم التوحيد إلى قسمين، وهو أحد التقسيمات المعتبرة:

القسم الأول: توحيد الربوبية بمعناه العام ؛ فيشمل توحيد الله بأسمائه وصفاته وأفعاله.

والقسم الثاني: توحيد الألوهية وهو توحيد الله بأفعال العبد.

وقد قال ابن القيم في كتاب الصلاة وأحكامها: (أنزل الله سبحانه وتعالى مئة كتاب وأربعة كتب جمع معانيها في أربعة: وهي التوراة والإنجيل والقرآن والزبور, وجمع معانيها في القرآن وجمع معانيه في المفصل وجمع معانيه في الفاتحة وجمع معانيها في: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}

وقد اشتملت هذه الكلمة على نوعي التوحيد: وهما توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية). ا.ه.

فالتوحيد له جانبان: جانب اعتقادي علمي، وجانب سلوكي عملي.

فالتوحيد الاعتقادي العلمي هو اعتقاد تفرّد الله تعالى بأسمائه وصفاته وبأفعال الربوبية من الخلق والملك والتدبير، وغيرها، واعتقاد استحقاقه للعبادة وحده لا شريك له.

والتوحيد العملي هو ما يقوم به العبد من واجب التوحيد لله تعالى بقلبه ولسانه وجوارحه؛ فيدخل في ذلك إخلاص العبادات القلبية والقولية والعملية لله تعالى.

والتوحيد العملي لا يصحّ إلا بالتوحيد العلمي؛ فإن صلاح العمل قائم على صحة العلم،

فتوحيد الألوهية لا يصحّ إلا بتوحيد الربوبية؛ فإياك نعبد دالة على توحيد الألوهية.

وإياك نستعين دالة على توحيد الربوبية.

لأن ما يقوم به العبد من إخلاص الاستعانة لله تعالى قائم على اعتقاده كمال ربوبية الله تعالى.

فإنه إنما يستعين بالله لإيمانه بأنّ الله تعالى يعلم استعانته، ويقدر على إعانته، ولا يعجزه شيء، ولا يخفى عليه شيء، وأنّ الله رحيم كريم وقريب مجيب إلى آخر ما يلزم لتحقيق الاستعانة.

فللاستعانة تعلقّ بأسماء الله وصفاته، بل هي من آثار التعبّد لله تعالى بها.

والاستعانة أوسع معاني الطلب، وإذا أطلقت دلَّت على معنى الاستعاذة والاستغاثة وغيرهما؛ لأنَّ حقيقة الاستعاذة: طلب الإعانة على دفع مكروه، وحقيقة: الاستغاثة: طلب الإعانة على تفريج كربة.

فالاستعانة بمعناها العام تشمل الدعاء والتوكل والاستعاذة والاستغاثة والاستهداء والاستنصار والاستكفاء وغيرها؛ لأن كل ما يقوم به العبد من قول أو عمل يرجو به تحصيلَ منفعة أو دفع مفسدة فهو استعانة.

وحاجة العبد إلى الاستعانة بالله تعالى لا تعدلها حاجة، بل هو مفتقر إليه في جميع حالاته؛ فهو محتاج في كل أحواله إلى الهداية والإعانة عليها، ومحتاج إلى تثبيت قلبه على الحق، ومغفرة ذنبه وستر عيبه وحفظه من الشرور والآفات وقيام مصالحه.

فالاستعانة إذا حقّقها العبد جمعت عبادات عظيمة من جهة، وازداد بها يقينه بكمال الربّ تعالى ومجده وعظمة أسمائه وصفاته جلّ وعلا من جهة أخرى.

فإنّ قول الله تعالى فيما علّمه عباده: {وإياك نستعين} يستلزم منا الإيمان بأنه لا يحصل لعبدٍ من عباد الله نفعٌ في أمر من أمور دينه ودنياه إلا بعون وتقدير من الله جل وعلا، فهو المستعان وحده على كل ذلك.

وكل سبب من الأسباب التي يبذلها العبد لتحقيق النفع أو دفع الضر فإنما هو بتيسير الله وعونه، ولا يوجد سبب من الأسباب المادية يستقل بالمطلوب، بل لا بد أن يكون معه سبب مساعد ولا بد معه أيضاً من انتفاء المانع، ولا يكون كلُّ ذلك إلا بإذن الله جل وعلا.

فمن أبصر هذا حقيقةً أسلمَ قلبَه لله جل وعلا، وعَلِمَ أنه لا يكون إلا ما يشاء الله، وأن ما يطلبه العبد من خير الدنيا والآخرة لا يناله إلا بإذن الله وهدايته ومشيئته، وأن لنيل ذلك أسباباً هدى الله إليها وبيَّنها.

ومن كان على يقين بهذه الحقيقة قامَت في قلبه أنواعٌ من العبودية لله جل وعلا من المحبة والرجاء والخوف والرغب والرهب والتوكل وإسلام القلب لله جل وعلا والثقة به وإحسان الظن به.

ويكون من عاجل ثواب تحقيق الإخلاص في الاستعانة ما يجعله الله في قلب المؤمن بسبب هذه العبادات العظيمة من السكينة والطمأنينة والبصيرة فتطيب حياته وتندفع عنه شرور كثيرة وآفات مستطيرة.



التعليقات (0)

تعليق

أسئلة قد تعنيك